**الإسمنت: مدة الصلاحية، معايير الجودة، وأسس التخزين المثلى لضمان سلامة المنشآت**

الإسمنت: مدة الصلاحية، معايير الجودة، وأسس التخزين المثلى لضمان سلامة المنشآت

يُعد الإسمنت عصب صناعة البناء والتشييد، والمكون الأساسي الذي لا غنى عنه في إنتاج الخرسانة والملاط، مانحاً الهياكل الإنشائية قوتها ومتانتها اللازمة. نظراً لهذه الأهمية الحيوية، فإن التعامل مع الإسمنت يتطلب دراية ووعياً بخصائصه، وعلى رأسها مدة صلاحيته، معايير الحكم على جودته، والطرق المثلى لتخزينه، لضمان تحقيق الأداء المطلوب وتفادي أي مخاطر قد تؤثر على سلامة المنشآت.

**الإسمنت: مدة الصلاحية، معايير الجودة، وأسس التخزين المثلى لضمان سلامة المنشآت**

أولاً مدة صلاحية الإسمنت – عامل حاسم في فعاليته

تُعتبر مدة صلاحية الإسمنت من العوامل الجوهرية التي يجب أخذها في الاعتبار.

فمع مرور الوقت، يبدأ الإسمنت في التفاعل التدريجي مع الرطوبة وثاني أكسيد الكربون الموجودين في الجو، مما يؤدي إلى عملية تُعرف بالإماهة (Hydration) المبكرة أو الكربنة (Carbonation) السطحية. هذه التفاعلات تؤدي إلى تكتل جزئي وفقدان تدريجي لنعومة الإسمنت وقدرته على التفاعل بشكل كامل عند خلطه بالماء، مما ينعكس سلباً على مقاومة الخرسانة الناتجة.

وفقاً للاختبارات المعيارية والتوصيات الصادرة عن كبرى الشركات المصنعة والمختبرات
المتخصصة، فإن العمر الافتراضي المثالي للإسمنت المخزن في ظروف جيدة هو **تسعون يوماً
(ثلاثة أشهر)** من تاريخ الإنتاج المدون على العبوة. هذا يعني أنه يُفضل استخدام الإسمنت خلال
هذه الفترة لضمان الحصول على كامل خواصه الميكانيكية والكيميائية.

في حال تجاوز الإسمنت هذه المدة، لا يعني ذلك بالضرورة أنه أصبح غير صالح للاستخدام تماماً. ولكن، يصبح من الضروري إجراء فحوصات واختبارات معملية عليه قبل اعتماده في أي أعمال إنشائية، خاصة تلك التي تتطلب مقاومة عالية. تشمل هذه الاختبارات عادةً فحص زمن الشك الابتدائي والنهائي، وقوة الضغط بعد 7 و 28 يوماً.

إذا أظهرت النتائج أن الإسمنت ما زال يحتفظ بخصائصه ضمن الحدود المقبولة للمواصفات القياسية
يمكن استخدامه بحذر، وربما في تطبيقات أقل أهمية أو مع زيادة نسبية في محتوى الإسمنت بالخلطة
لتعويض أي نقص محتمل في الفعالية.

ثانياً معايير جودة الإسمنت – مؤشرات لا يمكن إغفالها

يمكن الحكم على جودة الإسمنت مبدئياً من خلال مجموعة من الفحوصات الميدانية البسيطة، والتي تعطي مؤشراً أولياً قبل اللجوء للاختبارات المعملية الدقيقة:

1. **اللون (Color):** يجب أن يكون لون الإسمنت رمادياً متجانساً، مع درجة خفيفة من اللون الأخضر الفاتح. أي اختلاف كبير في اللون أو عدم تجانسه قد يشير إلى وجود شوائب أو عدم جودة في عملية التصنيع.

2. **الملمس (Texture):** عند فرك كمية قليلة من الإسمنت بين الأصابع، يجب أن يكون ملمسه ناعماً وسلساً كالدقيق. إذا كان الملمس خشناً، فهذا قد يدل على وجود نسبة من الرمل أو مواد مغشوشة، أو بداية تكتل بسبب الرطوبة.

3. **وجود الكتل (Presence of Lumps):** يجب أن تكون عبوة الإسمنت خالية تماماً من الكتل الصلبة. تكوّن هذه الكتل هو دليل قاطع على امتصاص الإسمنت للرطوبة وحدوث إماهة جزئية. الكتل التي تتفتت بسهولة بالضغط الخفيف قد تكون مقبولة بكميات ضئيلة جداً، أما الكتل الصلبة فتعني أن الإسمنت قد تضرر بشكل كبير.

4. **درجة الحرارة (Temperature):** عند إدخال اليد في كيس الإسمنت، يجب أن يُشعر ببرودة. إذا كان الإسمنت دافئاً، فهذا مؤشر على حدوث تفاعلات كيميائية داخلية (إماهة) نتيجة الرطوبة أو وجود غش في عملية التصنيع.

5. **اختبار الطفو (Floatation Test):** عند نثر كمية قليلة من الإسمنت الجيد على سطح الماء، يجب أن تطفو جزيئاته لبعض الوقت قبل أن تبدأ في الغوص والركود في القاع. إذا غرقت الجزيئات مباشرة، فقد يشير ذلك إلى وجود شوائب أثقل أو تدهور في جودة الإسمنت.

ثالثاً أسس التخزين السليم للإسمنت – وقاية استباقية

يلعب التخزين الصحيح دوراً محورياً في الحفاظ على جودة الإسمنت لأطول فترة ممكنة ضمن مدة صلاحيته. الهدف الأساسي من التخزين الجيد هو حماية الإسمنت من الرطوبة، والتي تعتبر عدوه الأول. تتضمن أسس التخزين السليم ما يلي:

1. **مكان التخزين:** يجب أن يكون المخزن أو مكان التخزين جافاً تماماً، جيد التهوية بشكل غير مباشر (لتجنب التيارات الهوائية القوية التي قد تحمل الرطوبة)، ومحمياً من الأمطار والتسربات المائية. يجب أن تكون الأرضيات والجدران والأسقف مانعة لتسرب المياه.

2. **الرفع عن الأرض:** تُرفع أكياس الإسمنت عن الأرض بواسطة منصات خشبية (طبليات) بارتفاع لا يقل عن 15 إلى 23 سم. هذا يمنع امتصاص الرطوبة الأرضية ويسمح بمرور الهواء أسفل الأكياس.

3. **البعد عن الجدران:** يجب ترك مسافة لا تقل عن 30 سم بين رصات الإسمنت والجدران المحيطة، وذلك للسماح بتهوية جيدة ولمنع انتقال الرطوبة من الجدران إلى الأكياس.

4. **ترتيب الرصات وارتفاعها:** تُرص الأكياس بالقرب من بعضها لتقليل تعرضها للهواء. لا ينبغي أن يتجاوز ارتفاع الرصة الواحدة سبعة إلى ثمانية أكياس (أو ما لا يزيد عن ارتفاع 4.5 متر إجمالاً)، وذلك لتجنب الضغط المفرط على الأكياس السفلية الذي قد يؤدي إلى تكتلها أو تمزقها، ولتسهيل عملية المناولة.

5. **مبدأ "ما يدخل أولاً يُستخدم أولاً" (FIFO):** يجب تنظيم عملية سحب الإسمنت من المخزن بحيث يتم استخدام الأكياس الأقدم تاريخاً في الإنتاج أولاً.

الخلاصة

إن الالتزام الصارم بالتحقق من تاريخ صلاحية الإسمنت، وتقييم جودته عبر الفحوصات الميدانية والمعملية عند اللزوم، وتطبيق أسس التخزين المثلى، هي ممارسات أساسية لا تضمن فقط الحصول على خرسانة ذات جودة عالية ومقاومة مثالية، بل تساهم بشكل مباشر في تعزيز سلامة واستدامة المنشآت على المدى الطويل.

فكل خطوة في التعامل مع هذه المادة الحيوية لها تأثيرها المباشر على الناتج النهائي للمشروع الإنشائي.

أفكار حرة تامر نبيل

الإسمنت: مدة الصلاحية، معايير الجودة، وأسس التخزين المثلى لضمان سلامة المنشآت